المسرح البريختي
حياته:
ولد برتولت بريشت في 10 فبراير 1898
في مدينة أوجسبورج. درس الطب في ميونخ، وهناك تعرف على لودفيج، فويشتنفانجر، وعمل في
مسرح كارل فالنتين. وفي عام 1922 حصل بريشت على جائزة كلايست عن أول أعماله المسرحية. وفي عام 1924ذهب
إلى برلين، حيث عمل مخرجا مسرحيا. وهناك أخرج العديد من مسرحياته. وتزوج عام 1929 من الممثلة هلينا فايجل.
وفي عام 1933 بعد استيلاء هتلر على
السطة في ألمانيا، هرب إلى الدانمارك. ثم هرب عام 1941 من الدانمارك من القوات الألمانية
التي كانت تتوغل في أوروبا، وتحتل كل يوم بلدا جديدا، فهرب إلى سانتا مونيكا في كاليفورنيا،
وهناك قابل العديد من المهاجرين الألمان الذين فروا من الدولة الهتلرية، التي بدأت
تمارس القهر والاغتيالات ضد المعارضين. وتفرض اضطهادا لا حدود له ضد اليهود، وتحرق
كتب الأدباء التي لا ترضى عنهم. والتي كانت كتب بريشت من الكتب التي أحرقت. وهناك في
أمريكا لم يكن بريشت راضيا عن الأوضاع الاجتماعية والأخلاقية في أمريكا. وفي عام 1947
حوكم برتولت بريشت في واشنطن، بسبب قيامه بتصرفات غير أمريكية. وفي عام 1948 عاد إلى
الوطن ألمانيا، ولكن لم يسمح له بدخول ألمانيا الغربية، فذهب إلى ألمانيا الشرقية،
حيث تولى هناك في برلين الشرقية إدارة المسرح الألماني ثم أسس في عام 1949 'مسرح برلينر
إنسامبل)فرقة برلين). وتولى عام 1953 رئاسة نادي القلم الألماني. وحصل عام 1954 على جائزة ستالين للسلام.
وقد أثر مسرح 'برلينر إنسامبل' على المسرح الألماني في فترة ما بعد الحرب العالمية
الثانية، وظل بريشت يعمل في هذا المسرح حتى وفاته في عام 1956.
أدبه:
يعتبر بريشت من أهم كتاب المسرح
العالمي في القرن العشرين. ويقوم مذهبه في المسرح على فكرة أن المشاهد هو العنصر الأهم
في تكوين العمل المسرحي فمن اجله تكتب المسرحية، حتى تثير لديه التأمل والتفكير في
الواقع واتخاذ موقف ورأي من القضية المتناولة في العمل المسرحي. ومن أهم أساليبه في
كتابة المسرحية:
1- هدم الجدار الرابع-: ويقصد به
جعل المشاهد مشاركا في العمل المسرحي، واعتباره العنصر الأهم في كتابة المسرحية. والجدار
الرابع معناه أن خشبة المسرح التي يقف عليها الممثلون، ويقومون بأدوارهم، هي تشبه غرفة
من ثلاثة جدران، والجدار الرابع هو جدار وهمي وهو الذي يقابل الجمهور .
2- التغريب : ويقصد به تغريب الأحداث
اليومية العادية، أي جعلها غريبة ومثيرة للدهشة،، وباعثة على التأمل والتفكير.
3- المزج بين الوعظ والتسلية، أو بين التحريض السياسي
وبين السخرية الكوميدية.
4- استخدام مشاهد متفرقة: فبعض مسرحياته تتكون من مشاهد متفرقة،
تقع أحداثها في أزمنة مختلفة، ولا يربط بينها غير الخيط العام للمسرحية. كما في مسرحية
'الخوف والبؤس في الرايخ الثالث' 1938. فقد كتبها في مشاهد متفرقة تصب كلها في وصف
الوضع العام لألمانيا في عهد هتلر، وما فيه من القمع والطغيان والسوداوية التي ينبأ
بحدوث كارثة ما.
5- استخدام أغنيات بين المشاهد وذلك كنوع من المزج
بين التحريض والتسلية.
لقد أكد لنا بريشت على عجز المسرح
الأرسطي (الكلاسيكي) في توصيل رسالة تستفز المتلقي، وتثير غضبه، وتحرضه على أن يكون
عضواً فعالاً، يريد تغيير الواقع، لذا صبّ جلّ اهتمامه في كتابه (نظرية المسرح التعليمي)
على تحطيم الإيهام، والتأكيد على أن ما يجري على خشبة المسرح ما هو إلا تمثيل في تمثيل،
فضلاً عن تأكيده على طرح قضية معينه تستهدف تنبيه المتلقي وإثارته، ودفعه إلى إثارة
الواقع من خلال المؤثرات السمعية والبصرية، أو من خلال التأكيد على مفاهيم أساسية تمنح
النص جمالية، فضلاً عن كونها رسالة صيغت بأسلوب مقنّع لإحداث التواصل بين المتلقي والكاتب.
لابد من الإشارة إلى أن مفهوم التغريب
هو وليد الشكلانية الروسية، والشكلانيين الجيك والبولنديين، الذي ينص على أن نقل الشيء
من متوالية في الواقع إلى متوالية جديدة في الفن يصبح غرائبياً، لقد صاغ بريشت هذا
المصطلح نظرياً وحققه عملياً في الكثير من مسرحياته، مؤكداً على شيئين، الأول تحويل
الشيء إلى شيء خاص يثير الغرابة والغموض والدهشة، والثاني إلغاء الإيهام أو (يتعين
على الممثل أن ينسى كل ما تعلمه، عندما كان يحاول أن يحقق بواسطة تمثيله الاندماج الانفعالي
للجمهور).
إن استخدام المؤثرات البريشتية تتفاوت
في تأثيرها، وأهميتها في نسيج النص، ودرجة تغريبها من كاتب إلى آخر ومن مسرحية إلى
أخرى، ومن المؤثرات البريشتية، إعلان المؤلف الضمني عن خيالية العمل المسرحي، ولا واقعيته
في مقدمة أو خاتمة المروي، وتغيير الأنماط السائدة في المسرح مثل الاختلاط بين المؤدِّين
والمتفرجين، وبروز الراوي وتعدد الشخصيات والمشاهد، وسرعة تحولها، وبروز تقنية المسرحية
داخل المسرحية، وكشف سر اللعبة المسرحية أمام الجمهور، وخروج بعض الشخصيات من أدوارها
مثل الحوار بين المؤلف والمخرج، أو المخرج بوصفه راوٍ مع الجمهور، وجود نصوص تتأمل
ذاتها، ووجود إشارات إلى مرجعيات النص المسرحي، وأحيانا يعاد الموروث عبر منظور عصري،
ويصاغ بأبعاد فكرية وسياسية وفلسفية جديدة، وبذلك يتحول النص المرجعي إلى موضوع عام،
يعالج قضايا إنسانية مما يزيد من فاعلية النص، وينتج قراءات تأويلية وانفتاح النص إلى
إحالات نصية لا حصر لها.
إن تطويع المدونة التاريخية والدينية
والأدبية، وجدت في المسرح منذ القدم إلا أن طريقتي التقديم والوظيفة اختلفت الآن، كانت
المرجعيات في النص المسرحي تقوم على عرض المادة التاريخية بشكل محاكاة، إما وظيفتها
فهي التطهير (الإمتاع والتسلية)، أما اليوم فقد أكدت المرجعيات على معاني النصوص التاريخية
بإطلاق الكلمة، وإحالتها إلى دلالات على وفق رؤى مغايرة رؤى أيديولوجية وسياسية وفلسفية.
يضفي الطابع التاريخي على النص قيمة
جمالية، لذا لا يتقيد الكاتب بالوقائع التاريخية وتسلسلها، إنما يضيف عليها شيئاً يمنحها
هذا الشيء القيمة الجمالية التي تزيد من عملية التواصل والتفاعل بين الكاتب والمتلقي.
إن عرض أحداث عصرية حاضرة في قالب
تاريخي، يجعل المتلقي يقظاً، ويفكر ملياً ثم يحكم إيقاظ وعيه بالحاضر وإحالته إلى الماضي،
وهذا ما يحيد بالمتلقي إلى عدم الاندماج بسحر الإيهام، لأن (الوعي) سيفصل بينه وبين
الأحداث، لأن الأحداث وقعت في الماضي وليس الآن، وأخيراً هناك بعض المؤثرات طرزتها
بعض النصوص المسرحية حاولت تسليط الضوء عليها لأهميتها، وقد دخلت على المسرح كما دخلت
على بقية الأجناس الأدبية مثل: وجود الهامش بوصفه بنية متميزة داخل البنية الكلية للنص،
لها وظيفة قطع التسلسل الزمني للأحداث، وقطع سلسلة أفكار المتلقي عند النظر إلى أسفل
الصفحة لمعرفة ما مدون ولخلق نوع من التغريب، إذ يشكل الهامش عاملاً متميزاً لمساعدة
المتلقي على التفاعل مع النص المسرحي، إذ تضيء الهوامش للمتلقي المناطق المعتمة في
النص، وتمده بمعلومات إضافية، فضلاً عن الجمالية، كما خضع النص المسرحي إلى متغيرات
في الشكل الطباعي، فقد استعان الكتاب بالصورة البصرية بدلاً من الصورة اللفظية، من
خلال انتماء إلى الألعاب الكتابية أي مزج الخطوط المختلفة، ومدى تأثيرها على العين.
إن تحويل شكل الكتابة من اللون الغامق
إلى اللون الفاتح، يعد عاملاً أساسياً في إعطاء المسحة الجمالية للعمل الفني، وهذا
ما يثير المتلقي، ويخلخل عملية الاستقبال لديه.
تهدف المؤثرات التغريبية إلى هدم
جدار الوهم، فضلاً عن الوعي بالمسرح كأداة للتغيير والتفكير في الحل لاستدرار الشفقة
والعطف.
يعلن المؤلف الضمني في مقدمة مسرحية
(مقام إبراهيم وصفية) إعلاناً عن طقس مسرحي لفاجعة شعبية بقوله هذا: (طقس مسرحي لفاجعة
شعبية جرت وقائعها في حي من أحياء مدينة حلب، التي شهدت عبر تاريخها الطويل أحداثاً
محزنة، وأخرى تدخل البهجة على القلب، بتجاور التاجر البشع مع المحب النبيل، ويتعانق
نشيد المبتهلين بصراخ المعذبين، وتختلط الحقيقة بالأسطورة، فلا يلتئم جرح، ولا يدخل
يقين إلى قلب عسير إلا باستيقاظ التأريخ عبر الكلمات أو الفعل)، ويعمق التغريب عندما
يأتي الراوي (المعلق) للتعليق(على الأحداث، ولطرح الأسئلة على المتلقي وإيقاظ عقله،
ليتصادم مع المحكي والمشخص، وهو في هذا يمارس دوراً تعليمياً). إذ يعلّق المعلم على
المشاهد بوصفه راوياً، فضلاً عن قيادته لفريق التمثيل، لذا يسود النص التساؤلات وطرح
الأفكار والتأكيد على أن هذا العمل هو عمل فني، وكله تمثيل في تمثيل. هناك نوع من التغريب
يعقد فيه الراوي اتصالا مع الجمهور في خطاب مباشر معروض يغرب الأحداث باعترافه بأن
ما يقدمه اليوم في مسرحية ما هي إلا مسرحية واقعية، وبعد هذا التغريب من أشد أنواعه
كما في مسرحية (ماضي اسمه المستقبل) لمحمد تميد إذ يخاطب جمهوره بقوله: (الراوي: أيها
السيدات والسادة، المسرحية التي نقدمها لكم اليوم مسرحية واقعية، وكل تشابه بين شخوصها
وأبطالها الحقيقيين من عظماء التأريخ والبطولات هو من قبيل الصدفة، ولا دخل للمؤلف
في تصوره) لقد أفاد النص المسرحي من طرائق التشكيل الفلكلوري، ومن صيغ قصصه، إذ تبدأ
المسرحية بمقدمة تعريفية اتصالية مع المروي له (الجمهور) وعلى غرار الأنساق السردية
القديمة التي تنحو منحى قص الخبر، إذ يتسم هذا النص- من حيث ارتباطه بلغة المحكي القديم-
بسمات التلفظ الشفوي الذي يشترط وجود راوٍ، ومروٍ، ومروي له، ويقع المروي هنا خارج
الحكاية، لذا نراه يخاطب المروي له مستخدماً ضمائر الخطاب: (أيها السيدات والسادة)
وبهذا يكون المروي له شبه ممسرح وغير محدد الملامح، وليس له صفات محدودة، لذا يقتصر
تواجده خارج الحكاية، ويقع بمستوى أعلى من مستوى الشخصيات. وتبلغ المؤثرات التغريبية
أعلى درجة في مسرح سعد الله ونُّوس في مسرحيته (حفلة سمر من أجل 5 حزيران). إذ يتولى
المخرج (الراوي) عملية السرد وإذا بالمتفرج أو الجمهور يتحول من جمهور متفرج إلى جمهور
مشارك. المخرج: كلنا عشنا هذه الصورة،
وأنا لا أدعي تقديم نسخة وثائقية عما حدث، نحن هنا في سياق عمل مسرحي.. أترى؟. يقول
عبد الرحمن منيف (إن مشاركة الجمهور في مسرح ونُّوس حوّل الجمهور من جمهور متفرج إلى
جمهور مشارك، وبذلك رمى كرة النار في حضن كل من كان في الصالة ليترك أثراً أو علامة
يحملها ذلك المتفرج إلى الخارج، حتى يراه الناس لكي يروا حقيقتهم) ومن الإيغال في التغريب
إعلان الراوي المشارك في الحدث بتعريف نفسه بضمير المتكلم كما في مسرحية (حكاية الطيب صفوان بن لبيب وما جرى له من العجيب والغريب)
يقول: (أنا احمد بن سنان الحمّال، دوماً تحت الأحمال والأثقال... وفي رأسي صداع نقص
عيشي.... سمم حياتي... وكم فكرت بالانتحار للتخلص من الفقر والعار، ولولا الصغار..
آه ما أقسى أن يكون للواحد منا صغار.. رأسي.. رأسي (أحدهم هو الأمير بن همام يضع فوق
رأسه أحمالاً ثقيلة) مولاي... آه مولاي خفف عني بعض الحمل- أعود إليه ثانية.. (ابن
همام لا يبالي يستمر في وضع الأحمال، حتى يكاد أنفه يلامس التراب). مولاي.. آه مولاي..
آه الصداع يفلق رأسي (يتلوى.. فسقطت عنه الأحمال، فينهال عليه الأمير ضرباً بالسياط)
نستشف من هذا النص أن تقديم الشخصية لنفسها تضطلع بمهمة إيديولوجية سياسية توضح معاناة
الحمّال، وما يلاقيه من عبودية وحرمان وبؤس على يد مولاه، وفي مسرحية (الزنج وثورة
صاحب الحمار) يصرح الراوي عن نفسه بضمير المتكلم أيضا قوله: (أنا أبو يزيد مخلد، المعروف بصاحب الحمار، أنا أبن البلد الذي قاوم استعمار
بني عبيد، وأحتج على قمعهم، وزعزع ملكهم، وقاوم عسفهم، أنا الرجل الضعيف الذي حكم عليه
التأريخ الملعون بالحضارة والمهانة.. والخسارة) إن تصريح الراوي عن نفسه يومئ إلى وظيفتين:
وظيفة مرجعية توثيقية توضح شخصية مخلد صاحب الحمار من جهة، ووظيفة إيديولوجية سياسية،
توضح معاناة العبيد وما آل إليه وضعهم من مهانة وظلم وتعسف، وبيان جهادهم وقوة عزيمتهم
ومقاومتهم للظلم والاستبداد من جهة أخرى.
يتوجه الراوي في مسرحية (كلب مقتول
على الرصيف) لمحمد زفزاف- إلى المتلقي محدثاً التغريب بتقديم نفسه حاملاً رسالة إيديولوجية
سياسية تشير إلى خرق العدالة، وإلى العدوان الإسرائيلي، إذ يمثل الكلب الأسود- إسرائيل
يقول: (سيداتي، سادتي، لقد ورد على لسان إحدى هؤلاء النساء اللاتي خرجن الآن اسم علي،
أنا هو بلحمه ودمه- لقد شاء المؤلف أن يجعلني بطلاً، لأنني قتلت كلباً، لا تضحكوا أنا بالفعل
بطل شجاع- تعرفون أن كلباً من هذا النوع تحميه القوانين، فهذا الكلب الأسود الذي اتهمت
بقتله، الذي قتلته بالفعل، يحميه قانون- ولكنني بموقفي الشجاع، استطعت أن أقضي عليه
بمطرقتي الغليظة هذه- ذلك أن هذا الكلب تجاوز حدود الشراسة، وأصبح مخيفاً- وقد تتساءلون،
سيداتي، سادتي، عن نوع البطولة- فأقول إن البطولة تتجلى في خرق قانون مصنوع لا يمثل عدالة، ولا شك أنكم
فهمتم وجه البطولة في الأمر، وكيف أني أستحق هذا النعت بعد قتلي للكلب الأسود). نستشف
من النصوص السابقة أن السرد يكتمل بتناوب الشخصيات الثلاثة إذ تقدم المرأة الأولى للجمهور
شخصية كاتب المسرحية، وتوضح المرأة الثانية أدوارهن في المسرحية وتقدم المرأة الثالثة
الثيمة المسرحية وهي (موت أحد الملوك) وهي ثيمة تكاد تكون عادية، ولكن طريقة العرض
جعلتها مثيرة وغريبة، مما استوقفت الكاتب أو الشاعر في كتابتها.
إن اقتحام الرواة الثلاثة المحكي
بين الحين والآخر، والتأكيد على وهمية الحدث زاد من تغريب الحدث، وتبعيد المتلقي. ويغرب
الحدث بالإشارة إلى مرجعيات تاريخية تراثية فضلاً عن وظيفته الإيديولوجية السياسية.
يقول الراوي أن مؤرخه الرسمي، أثبت في أحد أبحاثه الرصينة المذيلة بالمراجع الهامة
كدائرة المعارف البريطانية، ومختار الصحاح، وتقويم العبقري الفلكي وأحوال التدبير المنزلي،
والمحلاة بالصور الزنكوغرافية لتصور توقيعات الملك، وبطاقاته الشخصية والعائلية، أثبت
هذا المؤرخ الحصيف أن المملكة لم تعرف طوال تاريخها ملكاً غيره، وإن اسمه على مر الأزمان
المختلفة كان أنوبيس الأول، وجورجياس التاسع، وابن طولون الثالث، ولويس الرابع والثلاثين،
وعبد الرحمن الخامس... وإلى آخره) يحدث التغريب عند الإشارة إلى مرجعية الحكاية في
مقدمة المسرحية كما في مسرحية( نهارات الليالي الألف) إذ وردت فقرات أو إحالات في الصفحات الأولى من
المسرحية تشير إلى ما يأتي: أستلهم المؤلف فكرة هذه المسرحية من المحاكمة التي جرت
في مصر عام 1985، لكتاب ألف ليلة وليلة وقد أفاد من المواضيع المنشورة في الأعداد الثلاثة
التي خصصتها مجلة (فصول) لذلك الكتاب، ولا سيما الوثائق الخاصة بمحاكمة الدكتور محمد
حسام محمود لطفي- وقد ضمنت المسرحية فقرات منها- كما أفاد من الدراسة التي كتبها الدكتور
مهند يونس عن الكتاب نفسه بعنوان (الصمت بين ليلتين) المنشورة في جريدة الثورة العراقية
بتاريخ 24/2/1993 و 2/6/1993 ويمكن أن نجد إشارة إلى مرجعيات الحكاية في مسرحية (الزنج
وثورة صاحب الحمار)، إذ يسرد الطبري ما كتبه (في تأريخ الرسل والملوك) في شأن ثورة
الزنوج فيقول: (أيها الناس أنصتوا يرحمكم الله لا تعتمدوا كتابي إني غالط، فثورة الزنج
لم تكن فتنة وعلي بن محمد لم يكن خارجياً، عملة السباخ لم يكونوا عبيداً راجعوا التاريخ:
راجعوا التراث رب أنعمت فزد) وفي مسرحية (الزمن المقتول في دير العاقول) نجد تواريخ
حقيقية تمثل سيرة المتنبي منذ صباه حتى مقتله وهي عبارة عن مرويات تاريخية. ومن المؤثرات
التغريبية تحديث التاريخ، وإعلان الكاتب بمقصديته، كما في مسرحية (الزنج وثورة صاحب الحمار) بقوله: (أنا مؤلف ديوان
ثورة الزنج، لقد ألفتُ هذا الديوان المسرحي على ضوء الثورات والانتفاضات، والانقلابات
التي جرت في النصف الثاني من القرن العشرين، وفي عدد من بلدان العالم) ومن المؤثرات
التغريبية في مسرحية (بعد أن يموت الملك) عصرنة التاريخ باستخدام أفكار وتعبيرات حديثة
وزجها في النص المسرحي كقوله: (لعل هذا الحل هو ما يسمونه في الأيام الحديثة بالتسوية
بين الأطراف المتنازعة، أو المصالحة بين الاتجاهات المتباينة أو بالتعبير العامي (قسمة
البلد بلدين)) ومن المؤثرات التغريبية كتابة نصوص تتأمل ذاتها كما في مسرحية (رسائل
قاضي اشبيلية) إذ يدون قاضي اشبيلية مذكراته أو ما يسمى بطريقة الوثائق، إذ يمكن سرد
قصة عبر يوميات أو رسائل كما في هذه المسرحية، وتقع هذه المسرحية في عشرة مشاهد، إذ
يتصف المشهد الأول من المسرحية بالتركيز على واقعة التاجر (نور الدين) بعد بيعه تعويذة كتبت
لابنة أحد الملوك على جوهرة، فأوقعته هذه الحادثة بمرض أودى به إلى هجر السوق وترك
العمل احتجاجاً على أساليب البيع، وتنكره لها.
إذن تهدف نظرية بريشت في «المسرح
الملحمي» إلى تعميق وعي المشاهد بتناقضات الواقع، بهدف تغييره، فهي تختلف وتتعارض مع
الدراما البرجوازية السائدة ذات التقاليد الأرسطية التي تبغي تحقيق التطهير Katharsis في إطار ما هو قائم. وعنصر التغريب Verfremdung يشكل محور النظرية، وقد طوره بريشت عن جملة عناصر تعرف فاعليتها في المسرح
الياباني والصيني والهندي القديم، وكذلك في الملهاة اليونانية ومسرح شكسبير، من حيث
تقنيات كتابة النص اعتماداً على العنصر السردي الحكائي، وتقنيات العرض المسرحي من حيث
تضافر مكوناته تمثيلاً وإلقاءً وغناءً وديكوراً وإضاءة وبالاعتماد كذلك على الموسيقى
المرافقة التي تسهم إسهاماً فعالاً في تغريب المشهد المسرحي وتحقيق مقولته.
أهمّ أعماله:
توراندوت : مؤتمر غاسلي الأدمغة
طبول في الليل حياة إدوارد الثاني ملك إنجلترا الرجل هو الرجل أوبرا الثلاثة قروش صعود
وسقوط مدينة مهاجوني حياة جاليليه الاستثناء والقاعدة الأم البؤس والخوف في الرايخ
الثالث الأم شجاعة وأبنائها الإنسان الطيب من سيتشوان دائرة الطباشير القوقازية بعل
جان دارك قديسة المسالخ ومسرحيات من فصل واحد: الزفاف الشحاذ..أو اليد الميتة كم يكلف
الحديد الخطايا السبعة المهلكة.
نظرية المسرح الديالكتيكى: (حينما
يأتي اسم بريشت، حينئذ يرتبط هذا الاسم بالمسرح الملحمي) أعتقد أن بريشت لم يصل فجأءة
إلى نظريتة في المسرح الملحمي من اللاشيء، ولكن من خلال مجموعه من عناصر التي تم ذكرها
من قبل. داب بريشت والبريشتيون عل الإعلان بصريح العبارة أنهم إنما يهدفون إلى ابتداع
نظرية درامية جديدة خلق مسرح الأرسطي بيد أن بحثنا هذا يحاول أن يسلط الضوء على بعض
العناصر المشتركة بين المسرح البريشتي والمسرح الأرسطي وكانت أول خطوة لنا في هذا السبيل
هي إبراز نقطة مهمة تغيب عن أذهان الكثيرين من الدارسين. ونعني أن المسرحيات الإغريقية
التي نظمها كل من أيسخولوس وسوفوكليس ويوريبيديس تسبق بصفة عامة عصر أرسطو بحوالي قرن
من الزمان . ومن ثم يدخل في باب التعميم أو حتى الخطا اعتبار أن هذه المسرحيات جميعا
أرسطية تماما بل أن مسرحية أوديب ملكا التي أعجب بها أرسطو أسد الإعجاب واتخذها مثلا
لصياغة قواعده عن فن الكتابة الدرامية في كتابة فن الشعر هذه المسرحية نفسها لا تنطبق
عليها القواعد الأرسطية تمام الانطباق وان كانت بحق اقرب المسرحيات الإغريقية طرا إلى
هذه القواعد. حقيقة أخرى ينبغي أن لا ننساها وهي أن المسرح الإغريقي قد تضمن الكثير
من العناصر اللحمية أو التغريبية إذ جاز لنا أن تستعير المصطلح البريشتي. بيد أننا
في هذا البحث الموجز نركز الحديث على موقف بريشت من التطير الأرسطي. ذلك أن المسالة
تمثل جوهر ومفتاح القضية كلها. فهل استطاع برشيت أن ينفذ نيته المعلنة بالاستغناء عن
التطير تماما في كتاباته الدرامية؟ لقد تبين لنا أن مفهوم بريشت للتطير الأرسطي يضعنا
أمام اختيار صعب للغاية. فإما تطهير أشبه بالتخدير وأما أن نحذف هذا التطهير كلية ومعه
الجزء الأكبر من الطبيعة الإنسانية نفسها.
من الواضح إذن أن المفهوم البريشتي
للتطهير الأرسطي هو نفسه الذي يحتاج إلى تعديل. علينا أن نقول لبريشت والبريشتيين أن
التطهير الأرسطي لا يعني بالضرورة تخدير المتفرج الذي لم يكن كما يتصورون ضحية الايهام
المسرحي المطبق.كما أيضا استطاع بريشت أن يجمع بين عناصر المسرح الملحمي وعناصر المسرح
الأرسطي في تركيبة واحدة سماها في أخريات حياتة 'المسرح الديالكتيكى'لأن بريشت وجد
في سنواته الأخيرة أن مفهوم المسرح الملحمي مفهوم ضيق ولذا أستبدل به مصطلح (المسرح
الديالكتيكى).
مفهوم المسرح الديالكتيكى:
يعنى أن يرى الجمهور شيئا مختلفا
تماما عما يعرض أو يقال ويعنى هذا ......... أنا أعرف شيئا أعرضه هكذا لكي يفهم المتفرج
أنه قادر على تغييره، أي يوجد جانب أخر غير ظاهر وغير ما يعرض، ولكن الجمهور يدركه.
أكد بريشت على هذا إذ قال إنه على الجمهور أن يعي الديالكتيك لكي يتفهم طبيعة ما يحدث
على المسرح،أي لكي يعي المفارقة التي تحدثت عنها، وهى إمكانية توصيل طبيعة التناقضات
على خشبة المسرح إلى المتفرج وإظهار إمكانية التغير مما هو عليه إلى ما يمكن أن يكون
عليه. ويعنى ذلك إذن مفهوم الديالكتيك، ليس من جانب الجمهور ولكن من جانب الدرامي في
المسرحية؟
من ناحية أسلوب أخراجه؟
إن إجابتي ستكون رديئة عن هذا السؤال،
لا أدرى كيف أفسر لك هذا . فلنأخذ مثلا مسرحية بونتيلا .... إن العادة لدى بريشت أن
يعطى للمتفرج في بداية مضمون كل فصل على حدة، أو كل لوحة من خلال ستارة تعرض عليها
أو هنا كما في بونتيللا من خلال أغنية تقدم قبل كل مشهد تعطى محتوى ما سيأتي من أحداث
...... ومن خلال هذا أراد بريشت أن ينزع توتر الجمهور واتصاله بالحدث في محاولة للإبعاد
لكي يفكر المتفرج فيما يحدث على خشبة المسرح فالمتفرج لدى بريشت لا يقول كما في المسرح
التقليدي ' يا إلهى ... كيف ستسير الأمور بعد ذلك، وماذا سوف يأتي ' وإنما يقول ' هكذا
الآن سوف يأتي هذا وذاك، سوف يعرض هذا على الآن، وأستطيع أن أفكر فيما سيعرض على هذه
اللحظة'. والتفكير فيما يحدث يجب أن يوصل المتفرج إلى شيء ما مختلف عما رآه الآن أرى
هذا،ولكن ما رآه يمكن أن يكون شيئا مختلفا.
لقد استخدم بريشت تقنية البناء الملحمي
من مشاهد منفصلة، وأغاني، قطع الحدث، والتركيز على أرضية الاجتماعية التي يتحرك فيها
الحدث .... وخلافه وفى الوقت نفسه حاول التركيز على ملامح الشخصية التي يعرضها على
خشبة المسرح مستعينا بمقومات أرسطية في هذا البناء .
وعلى سبيل المثال في مسرحية '
الإنسان الطيب' نجد شخصية (شن تي) شخصية لها ملامح أرسطية بمعنى شخصية تنمو وتتطور
بفعل الأحداث بل تتحول أيضا، ابتداء من كونها عاهرة تتخلى عن أحد زبائنها لكي توفر
مبيتا لآلهة إلى عملها بنصيحة الآلهة في أن تحافظ على طيبتها، فتسعى إلى عمل الخير
وتفتح دكانا لبيع الدخان إلى مأوى لكل اللصوص والمتعطلين والمحتاجين وغيرهم...... ويتسبب
هذا في إفلاسها، إلى أن تتنكر في شخصية رجل وهو ابن العم، تحت اسم (شوى تا) لكي تدافع
عن نفسها وحقوقها الاقتصادية.
بريشت
أثناء البروفات:
في إحدى بروفات بريشت في أخريات
حياته، ولا أذكر بالضبط أية مسرحية كانت .ز المهم إن كان بريشت عصبيا في توجيه ملاحظاتة
إلى الممثلين كما أنه لم يقبل اعتراض أحد الممثلين، وفى الواقع يناقص هذا فكرتنا عن
بريشت.ولكن كان من الواضح أن أثناء تسجيل كام بريشت متعبا أو معتل المزاج لأنه كان
غير عصبي بالإطلاق وكان يسمح للكل ممثل أن يدلى با قتراحات.
اللحظة الأخيرة:
- لقد بدأت حالة بريشت الصحية تتدهور
منذ عام 1955 بسب مرضه بالقلب وهو العام نفسه الذي تسلم فيه جائزة ستالين من موسكو
وكان آخر موقف له عندما كان يعد مسرحية 'دائرة الطباشير القوقازية' لعرضها لندن وأراد
بريشت أن يرى البروفه الأخيرة لكي يعطى ملاحظاته وكان قبل ذلك قد أعطى تعليماته من
خلال مساعدته، فإن أراد أن يعطي تعليماته في البروفه الأخيرة من خلال الميكروفون فسمع
من في الصالة صوتا مختلفا ... أنفاسا متقطعة .. لهثا ... كان شيئا مروعا لقد وقفنا
جميعا مشدوهين وأدرك وقتها أنه سيموت في الصالة وفعلا قد مات بعدها بريشت بعدها بأربعة
أيام وسافرو لعرض المسرحية بدونه هذه كانت نهاية العظيم بريشت المخرج وشاعر الكبير
والفيلسوف المسرح الذي جعل لمسرح قلبا يدق فليت يولد بريشت آخر عند ينعش المسرح مرة
أخرى.
بعض الأشعار مترجمه لبريشت.
أريد أن أمضي مع من أحب.
أريد أن أمضي مع من أحب
كم سيكلفني ذلك
لا أريد أن أحسب هل هو خير لي
لا أريد أن أعرف هل يحبني
لا أريد أن اعرف
أريد فقط أن أمضي مع من أحب.
وصية الصباح والمساء.
أخبرني حبيبي أنه يحتاجني
ومن أجل ذلك أنا أرعى نفسي جيدا
أرقب خطواتي أين تذهب
وأخاف أن تسقط علي قطرة من مطر فتقتلني.
ابعث لي ورقة.
ابعث لي بورقة شجرة
لكن من الغابة التي تبعد عن بيتك نصف ساعة أو أكثر
اذهب إذن وسوف تكون قويا
وسوف أشكرك لأجل تلك الورقة الجميلة.
Libellés:
4
Bac
BAC Tunisien
Bertolt Brecht
Références
المسرح البريختي
برتولت بريشت
بريخت
دراسات وبحوث
عربي
Aucun commentaire: