أبرز أسس التجديد في مسرحية "رأس المملوك جابر" لسعد الله ونّوس
أوّلا سننطلق بفضاء المسرحيّة في مغامرة رأس المموك جابر، مركّزين على أهمّ ما أضفاه ونّوس من لمسات جديدة على هذا الرّكن الأساسي في العمل المسرحي ككلّ الّذي أبرز الحرفة المسرحيّة التّي امتاز بها في أعماله المسرحيّة.
إنّ
أهمّ ما يسعى إليه ونّوس هو كسر الطّوق بين ركنين أساسيّن
"العرض"و"المتفرّج" أو بصطلح آخر رفع الحاجز بين المساحتين
الخشبة والصّالة، حيث الأولى "هي العرض المسرحي الّذي تقدّمه
جماعة تريد ان تتواصل مع الجمهور وتحاوره والثّانية هي جمهور الصّالة الذّي تنعكس
فيه كلّ ظواهر الواقع ومشكلاته" إنّ ونّوس ينظر إلى إمكانيّة الجمع وإدماج
هاتين المساحتين على أساس حوار مرتجل خاضع لقونين ولعبة مسرح التّسييس الّذي لا يسعنا هنا
تفصيله وإيضاحه (انظر الكتاب المدرسي في "هوامش للعرض والإخراج")
وهذا مخالفا لما عهدناه من ظوابط في المسرح التّقليدي الإغريقي حيث تكون دائما خشبة العرض
منعزلة تماما عن مساحة الجمهور وخير دليل على ذلك "الحائط الرّابع" أو
ذلك "السّتار" الّذي يفصل بين هاتين المساحتين بين المشهد والأخر، أمّا
في نصّنا "مغامرة رأس المموك جابر" لنا أن نقدّم أبرز أدلّة وضعتنا في
مشهد تلاحمت فيه المساحتين، أوّلا إذا انتبهنا إلى التّوظيف المرئي لعناصر
الدّيكور سنجد أنّ الممثّلين يخرجان من المساحة الثّانية (الصّالة) من بين
الزّبائن حاملين لعناصر الدّيكور وهي عبارة عن قطع بسيطة تمثّل ديوان الخليفة ثمّ
يضعانها أمام الزّبائن منتظرين سكوت الحكواتي للقيام بدورهما التّمثيلي.
هذا
المشهد على عكس ما عهدناه في المسرح التّقليدي الّذي يستوجب فيه تغيير الدّيكور
إنزال" السّتار " وإسداله بين المساحتين، وونّوس يعتبر هذا "السّتار"
أو" الحائط الرّابع" من أبرز العناصر المعمّقة للإيهام والعزلة بين
المساحتين الخشبة والصّالة حيث يكرّس هذا "السّتار" موت الحوار المرتجل
بين المساحتين على حدّ تعبير سعد اللّه ونّوس "هناك التّقاليد المسرحيّة
المبنيّة على إلغاء مثل هذا الحوار"، فهو يسعى إلى رفع هذا الحاجز بين
المساحتين كما ذكرنا آنفا.
وعديدة
هي "الوسائل المصطنعة" على حدّ تعبير ونّوس لخلق ذلك الحوار المرتجل بين
المساحتين "إننا نحاول ببعض الوسائل الاصطناعية كسر طوق الصمت، وتقديم
نموذج قد يؤدي تكراره إلى تحقيق غايتنا في إقامة حوار مرتجل وحار وحقيقي بين
مساحتي المسرح: العرض والمتفرج. "
وهنا
سنركّز على بعض الوسائل الأخرى المصطنعة الّتي اعتمدها ونّوس لكسر الطّوق بين
المساحتيّن والّتي تعتبر من أهمّ وأبرز الأسس الّني ارتآها ونّوس لمسرح عربي جديد
متجدّد:
لو
تأمّلنا النّص المعنون في الكتاب المدرسي "المناورة أساس الحكم"
لوجدنا أنّ المؤلّف حدّد هويّة الممثّلين الّذين سيقومان بدوري
الخليفة وأخيه قائلا في الإشارة الرّكحيّة من ذلك النّص التّالي" الحكواتي:
فقال الوزير لمملوكه جابر. هيا معي. وبعد أن ستر رأسه بكوفية سوداء، وضعه في
غرفة مظلمة على بابها حارس بالاقتراب. وكان لا بد من الانتظار حتى ينمو الشعر، ويخفي
سر الوزير.. والتوتر في ازدياد. ترقب في
قصر الوزير. وحركة ومشاورات في قصر خليفة
بغداد. وكلعبة الشطرنج كل يحك رأسه، ويفكر
كيف يحرك أحصنته وجنوده. اللاعبان خليفة
بغداد ووزيرها، ووقعة الشطرنج بغداد وعامتها.
(أثناء
كلام الحكواتي يدخل الممثلان اللذان قاما بدوري الوزير والأمير عبد اللطيف. . هما
الآن يمثلان دوري الخليفة المنتصر بالله وأخيه عبد الله. يضعان ما يحملان من قطع ديكور بسيطة تمثل ديوان
الخليفة، وهو شبيه جدا بديوان الوزير يتخذان مكانيهما، وينتظران سكوت الحكواتي. . بعد لحظات. )
فالمؤلّف
قد أشار إلى أنّ الممثّلين يقومان بنفس الأدوار حيث أنّهما في مشهد سابق كان
يجسّدان دوري الوزير و الأمير عبد اللّطيف.
فكأنّما
ونّوس أراد تبليغ التّالي بأنّ الأدوار لا تتغيّر بتغيّر الأسماء أو بعبارة أخرى
"إنّ الأنظمة السّياسيّة في العصور القديمة والحديثة لا يمكن أن تتغيّر
بإحلال فرد مكان آخر "، ونحن لا يهمّنا في بحثنا هذا المقاصد المضمونيّة
الّتي أراد ونّوس تبليغها بقدر ما يهمّنا النّفس التّجديدي الّذي احتفى به نصّه
المسرحي، من ذلك أنّ هذه الطّريقة قيام الممثّلين بنفس
الأدوار هي أحد "الوسائل المصطنعة"، هي كسر الإيهام بالواقع بإلغاء مبدأ
تماهي الشّخصيّة المسرحيّة مع الدّور الّذي تقوم به عسى أن يكون الزّبائن في مجال
السّيطرة على الوقائع الواقعة المعروضة أمامهم بدل الاغتراب، وزد
على ذلك، فالمؤلّف المسرحي يؤكّد عبر تلك الإشارة الرّكحيّة للقارئ هذا الّذي
ارتأيناه من حرصه على إلغاء مبدأ تماهي الشّخصيّة، إذ يؤكد لنا الشّبه الكبير بين
ديوان الخليفة وديوان الوزير ".... هما الآن يمثلان دوري الخليفة المنتصر
بالله وأخيه عبد الله. يضعان ما يحملان من
قطع ديكور بسيطة تمثل ديوان الخليفة وهو شبيه جدا بديوان الوزير..."
كما
نقل لنا سعد اللّه ونّوس حركة الممثّلين قبيل بداية الحوار وذلك أمام
الزّبائن "المتفرّجين": "يدخل...يضعان....يتّخذان...ينتظران...." وهذه "الكواليس" عادة ما تتمّ في المسرح التّقليدي إلاّ بعد إسدال
السّتار بين المساحتين، ومن زاوية أخرى ينقل سعد اللّه ونّوس حركة
الممثّلين من منظور آخر يتمثّل في تحديد الأعمال والأدوار وذلك للتّمهيد نحو
انتقال الحوار، من حوار يجمع بين الحكواتي والزّبائن إلى حوار يجمع الخليفة بأخيه، وهي أعمال
مختلفة نوعيّا عن الممارسة في المسرح التّقليدي، حيث الفضاء المستقلّ يقوم على
منصّة واحدة عليها أحداث وهميّة، فما نشاهده على الرّكح التّقليدي كأنّه يتمّ في
عالم منغلق، وينهار الحائط الرّابع لينفذ المتفرّج من خلاله
إلى هذا العالم الوهمي كأنّه يسترق النّظر، والممثّلون يقومون بأدوار شخصيّات
وهميّة تستمدّ حقيقتها من الواقع انطلاقا من تقاطع بين المتفرّج والممثّل وأساس
ذلك التّقاطع أن ّذلك الحدث الممسرح يتقاطع مع الوضع الّذي يعيشه الزّبائن ويتشابه
معه تمام التّشابه، لذلك سيعتبر ما يقوم به الممثّل أمامه شيئا
واقعيّا حدث فعلا، ليجعل المتفرّج بذلك مشاركا في عمليّة العرض بالمشاهدة، وبذلك
تتحوّل خشبة المسرح إلى مكان شفّاف يعاين من خلاله المشاهد كلّ حركة فيها من تغيير
لقطع الدّيكور مع قيام الممثّلين لأدوارهم مع استعداد ممثّلين آخرين للقيام
بأدوارهم.
فالمؤلّف
جمع إذا في نصّه بين المحتوى وهوامشه (الكواليس) لينقل المتفرّج من مجرّد معاين
إلى مشارك فعلي في العمل المسرحي بل إلى صاحب موقف.
ومن
أبرز سمات التّجديد المسرحي عند ونّوس أنّ ذلك النّموذج الّذي قدّمه من خلال
مسرحيّة "رأس المملوك جابر" يعتبر نصّا حيّا ذلك أن المتفرّج ينشئ مع
المؤلّف وعرضه نصّا حيّا جديدا متجدّدا في كلّ عرض مسرحي فالنّص المسرحي عند سعد
اللّه ونّوس متطوّر نام ذلك أنّ الخطاب الصّادر عن الممثّلين ليس تلقائيّا لرؤية
سياسيّة أو فرضها من أعلى الخشبة كما يفعل في المسرح السّياسي، إنّما هو مسرح
التّسييس، الخطاب فيه حوار حيّ طرفاه الممثّلون
والمتفرّجون إلى حدّ إلغاء الفاصل بين هذين الفضائين واندماج هذا في ذاك، وبذلك
يصبح المشهد –كما في سائر مشاهد المسرحيّة – لعبة أكثر من كونه عرضا مسرحيّا
نمطيّا، لعبة خاضعة لنواميس مسرح التّسييس
وما تقتضيه من وسائل لخلق الحوار المرتجل.
وقال
ونّوس في هذا التّالي:" وباعتبار ما سبق، فإن كل أحاديث الزبائن، وتدخلهم في مجريات الأحداث، وتعليقاتهم ليست إلا اقتراحات، أو ما
سميته وسيلة اصطناعية لتشجيع المتفرج على الكلام والارتجال والحوار.. ولهذا فمن
الممكن في ضوء أي إخراج أن يعاد النظر في هذه الأحاديث، أو أن تبدل صيغتها وتحول
إلى العامية... يمكن
تقديم هذه المسرحية في أي مكان، وفي أي مساحة أنا أضعها الآن في مقهى، ولكن
ذلك لا يمنع من تقديمها في أي مكان..."
من
الضّروريّ حسب رأيي أن لا نغفل عن تأثّر ونّوس بالمسرح البرشتي ونحن نتحدّث عن أسس
التّجديد في مسرحيّة المملوك جابر. فهو فعلا قد خرج عن أسس التّراجيديا الإغريقيّة
في التزامها بالوحدات الثّلاث من زمان ومكان وحدث وخرج عنها في حبكة البناء
الدرامي وخضوعه للمراحل الستّ من المبنى كما خرج عنها أيضا في طبيعة الصّراع وفي
شخصيّة البطل وخصائصها الاجتماعية والنّفسيّة والذهنيّة... كلّ هذا تغيير عند
ونّوس وعدم التزام بالمسرح الأرسطي ولكن الجديد عنده قد أخذه عن برشت ويتنزّل في
إطار بعد التغريب عنده وقد حدّد بريشت وسائل عديدة للتغريب منها ما يتّصل بالعرض
وتراوحه بين الحكي والتشخيص وكسره الجدار الرّابع الذي ليس هو عند بريشت السّتار
المادّي بقدر ما هو السّتار المعنوي الفاصل بين الركح والمتفرّج إذ يقول أنّه جدار
وهميّ ومن وسائل التغريب أيضا ما يتّصل بالممثّل وضرورة تجنّبه المحاكاة المطلوبة
في المسرح الأرسطي وعدم تقمّصه الدّور حتّى لا يتوهّم المتفرّج أنّ ما يراه واقعا
إذ عليه أن لا يغيّب الوعي أبدا كما أخذ أيضا عن بريشت وسيلة التأريخ والتذكير
الدائم بأنّ ما يعرض هو من التاريخ ليضمن تعاعلا موضوعيّا من المتفرج مع الحدث.
إذا
فإنّ ونّوس قد خرج عن المسرح الأرسطي في أهمّ أسسه لأنه حسب رأيه مسرح الأسياد كما
خرج عن المسرح الغربيّ لأنّه مسرح البورجوازيّة واتّبع مسرح بريشت لأنّه مسرح
المسحوقين من أبناء الشّعب والذين يريد ونّوس توجيه مسرحه التسييسي لهم. وأتباعه
لمسرح برشت كان أساسا في وسائل التغريب.
النفس
المأسوي الجديد في مسرحيّة مغامرة رأس المملوك جابر
لدراسة
الطّابع المأسوي الجديد الّذي أرساه ونّوس في مسرحيّة "رأس المملوك
جابر" يستوجب منّا ذلك وقفة قصيرة حول البنية المأسوية التّقليديّة وسنركّز
على أهمّ مرحلة في تلك البنيّة متّخذين من موقع الجوقة في المسرح التّقليدي مسار
لتأويل السّمات الجديدة الّتي أضفاه ونّوس في مسرحيّته.
إنّ
الجوقة في المسرح التّقليدي عادة ما تكون في صلب المأساة، إذ
يكون تدخّلها في مواطن حاسمة من المسرحيّة أي عندما يأخذ النّسق المسرحي منعرجا
هامّا، في تعبّر عن خطورة ما ستؤول إليه الأحداث أي
أنّها تقوم بدور التّنبيه /التّحذير.
ويمكن
أن نتنبّأ بمقتضى ذلك ما سيحصل من مآس ويمكن أن تبرز النّتائج التّي ستحصل. هذه أبرز
نقطة نلاحظ من خلالها البنية التراجيدية في المسرح التّقليدي.
وبالنّسبة
إلى نصّنا:
نلاحظ
منذ النّصوص الأولى أنّ النّفس المأسوي حاضر في المسرحيّة، من ذلك النّفس المأسوي
في النّص المعنون "سرّ الأمان" الّذي تمّ استنتجاه عبر مواقف المجموعة، فمواقف
المجموعة حاملة لنفس مأسوي يقوم بوظيفة إشاريّة لإبراز مصير الّذين استكانوا ورضوا
بهذا الموقف الرّديء "طاعة أولي الأمر في كلّ شيء دون أن يكون للمجموعة
موقف" الحكواتي: قل الراوي.. كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان خليفة
في بغداد يدعى شعبان المنتصر بالله وله وزير يقال له محمد العبدلي. وكان العصر
كالبحر الهائج لا يستقر على وضع. والناس
فيه يبدون وكأنهم في التيه. يبيتون على حال ويستيقظون على حال. تعبوا من كثرة ما شاهدوا من تقلبات، وما
تعاقب عليهم من أحداث. تنفجر من حولهم
الأوضاع فلا يعرفون لماذا انفجرت ثم تهدأ حينا من الزمن فلا يعرفون لماذا هدأت. يتفرجون، ثم تهدأ حينا من الزمن فلا يعرفون
لماذا هدأت. يتفرجون على ما يجري، لكنهم
لا يتدخلون فيما يجري. ومع الأيام اعتقدوا
أنهم اكتشفوا سر الأمان في مثل هذا الزمان، فقنعوا بما اكتشفوا، ورتبوا
حياتهم على أساس ما اعتقدوه أسلم الطرق إلى الأمان. "
سعد
اللّه ونّوس لا يوظّف العنصر المأسوي بصفة إعتباطيّة بل من أجل استباق الحدث فهو
منذ اللّحظة الأولى من المسرحيّة يهيّأ الأجواء للفاجعة ولكن ما يهمّنا الشّخصيّات
المأسوية في هذا النّصّ المسرحي مأساتها حقيرة وليست نبيلة تعبّر عن عواطف وكوامن
نبيلة مثلما هو الحال في المسرح الإغريقي التّقليدي حيث تكون فيه الشّخصيّة
المأسويّة على وعي بغايتها ومصيرها الفاجع وذلك تضحية منها من أجل تحقيق قيم شريفة
ونبيلة على سبيل المثال الشخصيّات المأسويّة في المسرح الإغريقي تصارع الآلهة وهي
على علم أنّها في نهاية المطاف على شفى الهاوية والاندثار فالموت، إنّ تلك
الشّخصيّات تصارع من أجل تحقيق نواقص كالحريّة والإرادة أو الحبّ.....
ولكن
في نصّنا الشّخصيّات المأسويّة بما فيهم جابر يعيشون مأساة ولكنّهم ليسوا على وعي
بهذه المأساة فالمجموعة استكانت على ذلك الوضع بأن لا تتدخّل في شؤون الرّعيّة
معتقدين أنّ ذلك سرّ الأمان ولكن تتطوّر الأحداث ومجريات القصة إلى أن أصبحوا تحت
وطأة الخطر الخارجي الّذي محق مدينتهم، وأمّا جابر أخذته الأحلام والأماني من أجل الفوز
بزمرّد إلى أن دبّر حيلة للوزير بادر بتنفيذها ولكنّه ليس على علم بتلك الفاجعة.
الوجه
المأساوي الجديد في مسرحيّة رأس المملوك جابر يتلخّص في التّالي:
أوّلا:
الشّخصيّات المأسوية تعيش المأساة ولكنّها ليست على وعي بها عكس المسرح الإغريقي
حيث تكون على وعي بتلك المأساة.
ثانيا:
المأساة في المسرح الإغريقي نبيلة حاملة لقيم شريفة ولكّنها في مسرحيّة المملوك
مأساة حقيرة لا نبيلة من ذلك أن المجموعة يؤول مصيرها إلى الموت تحت راية الجبن
والخوف، وأمّا جابر ينتهي بفاجعة قطع رأسه لأنّه سلك
مسلك الخيانة والانتهازية لتحقيق مآربه.
وهذا
التّحوير في مستوى بنيّة المأساة الّذي قام به ونّوس يتلخّص أيضا تحت غاية رفع
الحاجز بين المساحتين لإقامة حوار حار ومرتجل، فما قام بيه هو وسيلة من الوسائل
المصطنعة، تهدف للاستفزاز المتفرّج أو القارئ ليكون عنصر
فعّال عبر تأويلاته
ومواقفه من مجرى الأحداث.
من
أسس التّجديد: اعتماد لغة مسرحيّة دينامكيّة تتراوح بين الفصحى والعامّية
كما
ذكرنا سابقا أنّ جلّ الإضافات التّي اعتمدها ونّوس في مسرحيّته "رأس المملوك
جابر"غايتها أساسيّة وواحدة هي عزمه عبر "وسائل مصطنعة " خلق حوار
حار ومرتجل بين المساحتين العرض والمتفرّج ومن أجل ذلك كانت لغة الخطاب في
المسرحيّة بسيطة غير معقّدة تتراوح بين الفصحى والعامية، وهذا
خلافا لما يتمّ اعتماده في المسرح التّقليدي من خطاب يتّم باللّغة الشّعريّة
الزّجلة، ينظر ونّوس إلى ذلك
الخطاب المسرحي التّقليدي على أنّه يخلق فاصل بين المتفرّج والممثّل ذلك أنّ
الخطاب الشّعري يجعل من المتفرّج يعيش غربة مع نفسه حيث يحاول أن يستوعب ويفهم ما
يصدر على ألسنة الممثّلين، هكذا لن يستطيع المتفرّج المشاركة في العمليّة
المسرحيّة التّسييسيّة الّتي أرادها ونّوس، لذلك استوجب عليه إعتماد لغة بسيطة
خلافا للمسرح التّقليدي، متراوحة بين
الفصحى والعامّية.
ويدعّم
ونّوس رؤيته في ازدواجيّة اللّغة بين الفصحى والعامّية مستشهدا بأنّنا "إزاء
فنّ له خصوصيّته المسرحيّة وله وضعيّته فعلينا أن نقبل أيضا أن تكون له لغته
المسرحيّة أي اللّغة الحيّة الدّينامكيّة القادرة على تطوير الحوار والمواقف، بهذا
المعنى ليست المشكلة في الفصحى او العامّية، وإنّما في بناء المسرحيّة والمشاكل
الّتي تعالجها...".
إنّ
ونّوس بطريقة أو بأخرى رصدناه يستشفّ ويبحث عن أسس يتقرّب بها إلى الجمهور من ذلك
أن عمد على توظيف ازدواجية الّلغة بين الفصحى والعامّية، عسى أن يكون ذلك وسيلة لكسب المتفرّج وجعله في
مجال السّيطرة على الوقائع المعروضة أمامه بدل الاغتراب....
Aucun commentaire: